Monday, July 9, 2012

البداية



قبل عدة أعوام إبتدرني أحد سائقي التاكسي بسؤال عن مؤهلي الدراسي، و عندما أجبته بأنه بكالوريوس التجارة إلتمع في عينيه بريق ذئب وجد فريسته بعد جوع و غمغم في جنون: 


- قشطة ! شوف يا هندزة .. بما إنك بتاع حسابات و كده أنا عايز أقولك "إكتراح" ، أي نعم أنا علامي على قدي برضه، لكن العلم في الراس ولا مؤاخذة مش في الكراس، و أنا برضك بتاع حسابات و معايا دبلون تجارة. 

إستبد بي الرعب و غصت في مقعدي متوجساً و أنا أتمتم: أنعم و أكرم .. 

- شوف يا هندزة .. مش إحنا كام و سبعين مليون أهو ؟ على قولك .. خليهم تمانين ... كام واحد فينا فجيبه جنيه مش فارق معاه حاجة في حياته ؟ كلنا .. إيه رأيك الشعب كله يعمل جمعية بجنيه واحد في الشهر ؟ تخيل بقى إنك تقبض تمانين مليون جنيه حتة واحدة كده و تقعد بقيت حياتك تدفع جنيه واحد بس كل شهر .. عليا الطلاق أنا مش أبيع التاكسي ! دا أنا أرميه في بحر شبين و آجي "أطرطر" عليه كل يوم الصبح، و الواحد بقى ياكل كل يوم كيلو لحمة لوحده، و يتجوز أربعة و العيال يدخلوا مدارس أمريكاني ....قبل أن ألفظ أنفاسي اضطررت لمقاطعته بعد أن إرتفع ضغطي إلى مستويات فلكية و أنا أحاول أن أبدو هادئاً :: أيوة يعني هي فكرة مش بطالة .. بس بالنسبة للي هيقبض الآخر إيه نظامه ؟ ، هرش صاحبنا صلعته و بدت عليه الحيرة و تلاشى الحلم المليوني فجأة و نظر إلي في حيرة طفل برئ ؟ - قصدك إيه عدم المؤاخذة ؟ 

أجبته و أنا أحاول جاهداً البقاء على قيد الحياة: "يعني لو حظك جه في آخر الجمعية هتقبضها بعد (حسبتها على الموبايل) ستة مليون و 666666 سنة تقريباً ... 

نظر إلي في إستخفاف و قال لي ؟ ماشي يا سيدي .. نخليها كل يوم .. و أهو الواحد يدفع 30 جنيه في الشهر "أزنه" رجع يشرب سجاير تاني .. (كان هذا في وقت كانت علبة كوكو الضعيف بجنيهين و نصف فقط) .. 

أردت التملص من حسبة برما قبل أن يسألني كم سنة سوف ينتظر آخر من في القائمة ، و قلت له: و بعدين يا اسطى لو كل واحد في البلد بقى معاه 80 مليون جنيه و ساب شغله زيك حتروح تشتري لحمة مش هتلاقي ، لأن الجزار برضه جاله 80 مليون زيك و مش عايز يشتغل ... و اللي هييجي على نفسه و يشتغل هيقولك كيلو اللحمة بـ 100 ألف جنيه إذا كان عاجبك (ده لو كان قنوع طبعاً) ، و زيه هيعمل بتاع الخضار و البقال و السباك .. و هتبص تلاقي ال80 مليون بتوعك ما يسووش 500 جنيه بسعر دلوقت. 

هبط الغم و النكد على دماغ صاحبنا فجأة و أصابه الإحباط لدرجة أنه كاد يقفز بالتاكسي و بي داخل بحر شبين قبل أن يهمس مهزوماً: تصدق صحيح !! برضه العلام حلو يا ولاد !! 

تصدق إنت قفلتني منك يا باشمهندس ؟؟ يلا انزل بقى علشان انا اتخنقت .


داخل كل مواطن مصري مشروع صغير لرئيس جمهورية (فاشل غالباً) ، فكل مصري لديه قدرة جهنمية على "الفتي" (الذي هو الإفتاء باللغة العربية الفصحى) ، و في عقل كل مواطن مصري حلول لوذعية لا تصل إليها عقول أكبر الخبراء و المحللين السياسيين و الإقتصاديين لمشاكل البلاد و العباد، لكنها تنتظر اللحظة المناسبة، و على كل مقهى و مصطبة و قعدة و صالون هناك حشد من الثرثارين الذين يطرحون دائماً حلولهم العبقرية الأسطورية على بعضهم البعض و يأسفون أن أحداً لا يلتفت إلى هذه الحلول مع أنها سهلة و ميسورة جداً.  


طوال عقود من حياتي أصادف الكثير من هؤلاء و كنت أحدهم في عدة مناسبات، و أنا أيضاً كانت لدي حلول و أفكار لوذعية خرافية كفيلة بحل مشاكل الكرة الأرضية في 100 يوم ، و لذلك قررت أنا العبد لله الفقير إلى مولاه إفتتاح مصطبة قطاع خاص للفتي الخاص بي ، و إشمعنى أنا يعني ؟ هي هتيجي عليا ؟ 

هذه المدونة ليست (كلها) من قبيل الهرتلة و التنفيس، و ليست مشروع دعاية إنتخابية لرئيس حقيقي، و إنما هي نوع من أحلام اليقظة لمواطن عادي لا يتمنى أبداً أن يكون رئيساً للجمهورية، و إنما يتمنى أن يكون له رئيس جمهورية يتبنى بعضاً من هذه الأحلام و يحولها إلى حقائق.

و مش بعيد تكبر في دماغي و أعملها، كلها 7 سنين و أوصل للسن القانوني قول 8 على ما يكون الرئيس الموجود وقتها خلص مدته بالسلامة
لذلك أرجوكم ثم أرجوكم ثم أرجوكم محدش يضغط عليا أرشح نفسي، لأني ممكن أتهور و أقول لكم 
لكم بس لو ما كنتوش تحلفوا !!!!
و ساعتها ممكن تندموا ، و أكيد أنا كمان هندم.

توكلنا على الله
إنتظرونا قريباً

No comments:

Post a Comment